عمرو بن العاص
نسبه ...
عمرو بن العاص واسمه عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم القرشي السهمي، كنيته أبو عبدالله, كانت أمه سبية تدعى سلمى بنت حرملة من بني عنزة, وتلقب بالنابغة, قد بيعت في سوق عكاظ فاشتراها الفاكه بن المغيرة, ثم اشتراها منه عبد الله بن جدعان ثم صارت إلى العاص بن وائل السهمي فولدت له ابنه عمرو. وتزوجت أمه أزواجا آخرين فكان لعمرو بن العاص أخوة من أمه هم عروة بن أثاثة العدوي, وعقبة بن نافع بن عبد القيس الفهري.
كان عمرو بن العاص داهية من دهاة العرب، وصاحب رأي و فكر، و فارساً من الفرسان, أرسلته قريش إلى الحبشة ليطلب من النجاشي تسليمه المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة فرارا من الكفّار وإعادتهم إلى مكة لمحاسبتهم وردهم عن دينهم الجديد فلم يستجب له النجاشي ورده خائبا.
\
/
\
إسلامه ...دخل الإسلام سنة ثمان للهجرة بعد فشل قريش الذريع في غزوة الأحزاب، و قدم إلى المدينة المنورة مع خالد بن الوليد و عثمان بن طلحة مسلمين فاستبشر المسلمون بهم لما كان لهم من بلاء في مقاتلة الإسلام انقلب بلاء في الذوذ عنه.
و قال عنه النبي: "أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص".
\
/
\
ولاية مصر ...
خلال خلافة عمر بن الخطاب ولاه قيادة جيوش في فلسطين و الأردن بعد موت يزيد بن أبي سفيان ثم كلفه قيادة الجيش الذاهب لفتح مصر ففتحها. وأمّره الخليفة عثمان بن عفان عليها لفترة ثم عزله عنها وولّى عبد الله بن سعد العامري, وكان ذلك بدء الخلاف بين عمرو بن العاص وعثمان بن عفان.
عاد بعدها عمرو إلى المدينة المنورة .
أعز الله الإسلام بفتح مصر وأعز أهل مصر بدخولهم في الإسلام، وكان بطل الفتح وصاحب فكرته عمرو بن العاص
رضي الله عنه، فقد كان عمرو خبيرا بسكان مصر وأرضها وما عاناه الناس فيها من ظلم وقهر الرومان، حيث سبق
أن زارها اكثر من مرة في تجارة له، ولما أنهى معاركه مع الروم في بلاد الشام فكر عمرو في إخراج
الروم من مصر حتى يؤمن بلاد الشام وسواحلها فلا يبقى لهم موقع قدم في مصر أو الشام، وعرض الأمر على
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حينما قدم إلى دمشق سنة 18 هجرية،
قال له: انك إن فتحتها كانت قولة للمسلمين وعونا. فتردد عمر في الأمر وأشفق على المسلمين وخشي من التوسع في الفتح
بينما جيوش المسلمين مازالت في الشام وفارس، ولم يزل عمرو يهوّن عليه فتح مصر ويؤكد له أن فتحها سيثبت فتوحات
المسلمين في الشام وفلسطين، ويؤمنها بينما عدم فتحها وبقاؤها في يد الروم يعرض سيادة العرب في بلاد الشام لأخطار كبيرة،
حتى وافق عمر وزوده بأربعة آلاف رجل، وقال له: “إني مرسل إليك كتابا فإن أدركك وأمرتك فيه بالانصراف عن مصر قبل
أن تدخلها أو شيئا من أرضها فانصرف ، وان دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك، واستعن بالله واستنصره”.
ويقال إن كتاب عمر وصل إلى عمرو وهو برفح فلم يستلمه من الرسول حتى قرب من العريش فأخذ الكتاب وقرأه على أصحابه،
فإذا عمر يأمره بالانصراف إن لم يكن قد دخل ارض مصر، ولأن عمرو دخل ارض مصر فإنه أمر الجيش بالمسير حتى وصل
العريش وفتحها دون مقاومة، ولم يشتبك عمرو في قتال مع جنود الروم حتى وصل إلى مدينة
“الفرما” وكانت مفتاح مصر في ذلك الوقت، وقد أحيطت بأسوار وحصون فحاصرها المسلمون اكثر من شهر حتى فتحوها،
واجمع المؤرخون أن أقباط مصر كانوا أعوانا للمسلمين في حصارهم للفرما، وسار عمرو بالجيش حتى وصل إلى القنطرة
ثم الصالحية حتى وصل إلى بلبيس، وكان يتحصن بها “الارطبون” وهو القائد الرومي الذي سبق أن هزمه عمرو
في حروبه في فلسطين، فهرب من فلسطين إلى مصر، وهزمه عمرو واستولى على المدينة بعد شهر لم ينقطع فيه القتال.
يا عمرو.. أحسن الخروج
ومما يروى عن ارطبون الروم الذي كان يوصف بأنه داهية الروم، وداهية العرب عمرو بن العاص أن ارطبون الروم كان
على رأس جيوشه في الشام، وحينما أرسل عمر بن الخطاب عمرو بن العاص لقيادة أحد جيوش المسلمين في الشام قال له
بعض الصحابة إن على جيوش الروم بالشام ارطبون الروم، فكان جواب عمر: لقد رمينا ارطبون الروم بأرطبون العرب
فلننظر عمّ تنفرج الأمور.
وروي أن ارطبون الروم دعا ارطبون العرب ليحادثه وكان قد أعطى أمرا لبعض رجاله بإلقاء صخرة فوق عمرو اثر انصرافه
من الحصن، وأعد كل شيء ليكون قتل عمرو أمرا محتوما، ودخل عمرو الحصن وبينما هو في طريقه إلى خارج الحصن لمح
فوق أسواره حركة مريبة، وقيل إن رجلا داخل الحصن كان يعرف عمرا فقال له يا عمرو احسن الخروج كما أحسنت
الدخول فعاد بهدوء إلى الأرطبون وقال له لقد بادرني خاطر أردت أن أطلعك عليه، إن معي حيث يقيم أصحابي جماعة من
أصحاب الرسول السابقين إلى الإسلام، لا يقطع أمير المؤمنين أمرا دون مشورتهم ولا يرسل جيشا من جيوش الإسلام إلا جعلهم
على رأس مقاتليه وجنوده، وقد رأيت أن آتيك بهم حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت ويكونوا من الأمر على مثل ما أنا
عليه من بينة، ورحب ارطبون الروم، فقد واتته الفرصة ليجهز على زعماء المسلمين وخيرة رجالهم بدلا من قتل عمرو وحده،
وخرج عمرو سالما وفي اليوم التالي كان يهاجم الحصن بعد أن عرف مداخله.
فتح مصر وليبيا
دهاء عمرو كان يسانده ذكاء فطري ساعده على كسب ود كل أقباط مصر فقد روي أن ابنة المقوقس حاكم مصر من قبل الروم
كانت في بلبيس حينما فتحها عمرو، فكرمها عمرو وأرسلها إلى أبيها مما اكسب المسلمين محبة قبط مصر، أما الذكاء والحيلة
فقد برزا حين توجهت جيوش المسلمين من بلبيس إلى مكان قريب من “عين شمس”، فقد دام القتال مع الروم عدة أسابيع
فكف عن القتال وأرسل إلى أمير المؤمنين يطلب منه المدد فأمده بأربعة آلاف على رأسهم أربعة من كبار الصحابة هم ال***ر بن العوام
وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد، والمقداد بن الأسود،
وكتب الخليفة لعمرو: لقد أمددتك بأربعة آلاف فيهم رجال الواحد منهم بألف رجل، وسار عمرو بالجيش إلى “عين شمس”، بينما كان
جيش الروم يضم عشرين ألفا، وهنا تغلب ذكاء ودهاء عمرو وقدرته على خديعة عدوه فقد وضع له كمينا في الجبل الأحمر شرقي العباسية،
وآخر على النيل، ولاقاه ببقية الجيش ولما نشب القتال خرج أفراد الكمين الذي كان في الجبل الأحمر فاختل نظام
جيش الروم، ثم خرج كمين النيل فأصبح الروم بين جيوش المسلمين الثلاثة وحلت بهم الهزيمة ولم يبق منهم إلا القليل الذي فر إلى حصن بابليون.
وحاصر عمرو حصن بابليون وطال الحصار لسبعة اشهر والمقوقس حاكم مصر من قبل الروم في الحصن مع جنوده ولما يئس من المقاومة
أرسل وفدا إلى عمرو فأخبرهم بأن “يختار المقوقس وجنوده الدخول في الإسلام أو دفع الجزية وإلا فالقتال حتى يحكم الله بيننا وبينكم”،
ولما عاد الوفد إلى المقوقس سألهم عن أحوال المسلمين فقالوا رأينا قوما الموت احب إليهم من الحياة، والتواضع احب إليهم من الرفعة ليس
لأحد منهم في الدنيا رغبة ولا نهمة، جلوسهم على التراب، وأميرهم كواحد منهم، ما يعرف كبيرهم من وضيعهم، ولا السيد فيهم من العبد،
وإذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها أحد، يغسلون أطرافهم بالماء ويخشعون في صلاتهم.
ولما سمع المقوقس منهم خاصة وان عمرا أمكثهم عند المسلمين يومين كاملين، قال لقومه ليس عليكم سوى طلب الصلح.
وبعد أن فتح عمرو بن العاص الاسكندرية رأى أن يؤمن مصر أيضا من جهة ليبيا فوجه عقبة بن نافع الفهري إلى زويلة وبرقة ففتحهما،
ثم توجه بنفسه إلى برقة فصالح أهلها ثم سار بجيشه إلى مدينتي توكرة وبني غازي ثم مدينة طرابلس، وكانت تتمتع بحصون من كل جانب
سوى شمالها الذي يطل على البحر فحاصرها لأكثر من شهر ثم وجدوا ثغرة في سورها فاقتحموها وقاتلوا الروم
الذين لم يسعهم سوى الفرار، أما من بقي منهم فقد كفل لهم المسلمون حمايتهم وحماية أعراضهم ومعابدهم وأملاكهم ثم واصل عمرو وفتح مصراته
ثم توقف بعد رسالة جاءته من عمر بن الخطاب.
\
/
\
دورة في فتنة معاوية و علي ..
بعد أن قتل عثمان بن عفان سار عمرو بن العاص إلى معاوية بن أبي سفيان وشهد معه معركة صفين ولما اشتدت الحرب على معاوية أشار عليه عمرو بن العاص بما عرف عليه من دهاء بطلب التحكيم ورفعت المصاحف طلبا للهدنة. ولما رضي علي بن أبي طالب بالتحكيم، وُكّل عمرو بن العاص حكما عن معاوية بن أبى سفيان كما ووُكّل أبو موسى الأشعري حكما عن علي بن أبي طالب.اتفق الحكمان أن يجتمع من بقي حياً من العشرة المبشرين بالجنة ويقرروا مصير قتلة عثمان[1]، ولم يكن قد بقي منهم إلا سعد بن أبي وقاص وعلي بن أبي طالب وسعيد بن زيد. وهذا القرار لم ينفذه علي. ثم إن معاوية أرسله على جيش إلى مصر فأخذها من محمد بن أبي بكر ثم ولاه معاوية على مصر.
\
/
\
قالوآ عنه ..
عمرو بن العاص من صالحي قريش, ونعم أهل البيت أبو عبدالله, و أم عبدالله وعبدالله
رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما ينبغي لأبي عبدالله أن يمشي على الأرض إلا أميراً
عمر بن الخطاب
ما رأيت رجلاً أبين ولا أنصع رأياً, ولا أكرم جليساً منه, ولا أشبه سريرة منه
قبيصة بن جابر
كان من فرسان قريش و أبطالهم في الجاهلية, مذكوراً بذلك فيهم, وكان شاعراً حسن الشعر
ابن عبدالبر
\
/
\
لحضآتــ من حيآته ....
وعمرو بن العاص لم يكن من السابقين الى الاسلام، فقد أسلم مع خالد بن الوليد قبيل فتح مكة بقليل..
ومن العجب أن اسلامه بدأ على يد النجاشي بالحبشة وذلك أن النجاشي يعرف عمرا ويحترمه بسبب تردده الكثير على الحبشة والهدايا الجزيلة التي كان يحملها للنجاشي، وفي زيارته الأخيرة لتلك البلاد جاء ذكر لرسول الذي يهتف بالتوحيد وبمكارم الأخلاق في جزيرة العرب..
وسأل عاهل الحبشة عمرا، كيف لم يؤمن به ويتبعه، وهو رسول من الله حقا..؟؟
وسأل عمرو النجاشي قائلا:
" أهو كذلك؟؟"
وأجابه النجاشي:
" نعم، فأطعني يا عمرو واتبعه، فانه والله لعلى الحق، وليظهرنّ على من خالفه"..؟!
وركب عمرو ثبج البحر من فوره، عائدا الى بلاده، وميمّما وجهه شطر المدينة ليسلم لله رب العالمين..
وفي الطريق المقضية الى المدينة التقى بخالد بن الوليد قادما من مكة ساعيا الى الرسول ليبايعه على الاسلام..
ولم يكد الرسول يراهما قادمين حتى تهلل وجهه وقال لأصحابه:
" لقد رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها"..
وتقدم خالد فبايع..
ثم تقدم عمرو فقال:
" اني أبايعك على أن يغفر الله لي ما تقدّم من ذنبي"..
فأجابه الرسول عليه السلام قائلا:
" يا عمرو..
بايع، فان الاسلام يجبّ ما كان قبله"..
وبايع عمرو ووضع دهاءه وشجاعته في خدمة الدين الجديد.
وعندما انتقل الرسول الى الرفيق الأعلى، كان عمرو واليا على عمان..
وفي خلافة عمر أبلى بلاءه المشهود في حروب الشام، ثم في تحرير مصر من حكم الرومان.
**
ولقد كان حب عمرو للامارة، الى حد ما، تعبيرا تلقائيا عن طبيعته الجياشة بالمواهب..
بل ان شكله الخارجي، وطريقته في المشي وفي الحديث، كانت تومي الى أنه خلق للامارة..!! حتى لقد روي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رآه ذات يوم مقبلا، فابتسم لمشيته وقال:
" ما ينبغي لأبي عبدالله أن يمشي على الأرض الا أميرا"..!
والحق أن أبا عبدالله لم يبخس نفسه هذا الحق..
وحتى حين كانت الأحداث الخطيرة تجتاح المسلمين.. كان عمرو يتعامل مع هذه الأحداث بأسلوب أمير، أمير معه من الذكاء والدهاء، والمقدرة ما يجعله واثقا بنفسه معتزا بتفوقه..!!
ولكن معه كذلك من الأمانة ما جعل عمر بن الخطاب وهو الصارم في اختيار ولاته، واليا على فلسطين والأردن، ثم على مصر طوال حياة أمير المؤمنين عمر...
حين علم أمير المؤمنين عمر أن عمرا قد جاوز في رخاء معيشته الحد الذي كان أمير المؤمنين يطلب من ولاته أن يقفوا عنده، ليظلوا دائما في مستوى، أو على الأقل قريبين من مستوى عامة الناس..
نقول: لما علم الخليفة عن عمرو كثرة رخائه، لم يعزله، انما أرسل اليه محمد بن مسلمة وأمره أن يقاسم عمرا جميع أمواله وأشيائه، فيبقي له نصفها ويحمل معه الى بيت المال بالمدينة نصفها الآخر.
ولو قد علم أمير المؤمنين أن حب عمرو للامارة، يحمله على التفريط في مسؤولياته، لما احتمل ضميره الرشيد ابقاءه في الولاية لحظة.
**
وكان عمرو رضي الله عنه حادّ الذكاء، قوي البديهة عميق الرؤية..
حتى لقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، كلما رأى انسانا عاجز الحيلة، صكّ كفيّه عجبا وقال:
" سبحان الله..!!
ان خالق هذا، وخالق عمرو بن العاص اله واحد!!
كما كان بالغ الجرأة مقداما..
ولقد كان يمزج جرأته بدهائه في بعض المواطن، فيظن به الجبن أو الهلع.. بيد أنها سعة الحيلة، كان عمرو يجيد استعمالها في حذق هائل ليخرج نفسه من المآزق المهلكة..!!
ولقد كان أمير المؤمنين عمر يعرف مواهبه هذه ويقدرها قدرها، من أجل ذلك عندما أرسله الى الشام قبل مجيئه الى مصر، قيل لأمير المؤمنين: ان على رأس جيوش الروم بالشام أرطبونا أي قائدا وأميرا من الشجعان الدهاة، فكان جواب عمر:
" لقد رمينا أرطبون الروم، بأرطبون العرب، فلننظر عمّ تنفرج الأمور"..!!
ولقد انفرجت عن غلبة ساحقة لأرطبون العرب، وداهيتهم الخطير عمرو ابن العاص، على أرطبون الروم الذي ترك جيشه للهزيمة وولى هاربا الى مصر، التي سيلحقه بها عمرو بعد قليل، ليرفع فوق ربوعها الآمنة راية الاسلام.
**
وما أكثر المواقف التي تألق فيها ذكاء عمرو ودهاؤه.
واذا اردنا أن نشهد صورة لدهائه، وحذق بديهته، ففي موقفه من قائد حصن بابليون أثناء حربه مع الرومان في مصر وفي رواية تاريخية أخرى أنها الواقعة التي سنذكرها وقعت في اليرموك مع أرطبون الروم..
اذ دعاه الأرطبون والقائد ليحادثه، وكان قد أعطى أمرا لبعض رجاله بالقاء صخرة فوقه اثر انصرافه من الحصن، وأعدّ كل شيء ليكون قتل عمرو أمرا محتوما..
ودخل عمرو على القائد، لا يريبه شيء، وانفض لقاؤهما، وبينما هو في الطريق الى خارج الحصن، لمح فوق أسواره حركة مريبة حركت فيه حاسة الحذر بشدّة.
وعلى الفور تصرّف بشكل باهر.
لقد عاد الى قائد الحصن في خطوات آمنة مطمئنة وئيدة ومشاعر متهللة واثقة، كأن لم يفزعه شيء قط، ولم يثر شكوكه أمر!!
ودخل على القائد وقال له:
لقد بادرني خاطر أردت أن أطلعك عليه.. ان معي حيث يقيم أصحابي جماعة من أصحاب الرسول السابقين الى الاسلام، لا يقطع أمير المؤمنين أمرا دون مشورتهم، ولا يرسل جيشا من جيوش الاسلام الا جعلهم على رأس مقاتلته وجنوده، وقد رأيت أن آتيك بهم، حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت، ويكونوا من الأمر على مثل ما أنا عليه من بيّنة..
وأدرك قائد الروم أن عمرا بسذاجة قد منحه فرصة العمر..!!
فليوافقه اذن على رأيه، حتى اذا عاد ومعه هذا العدد من زعماء المسلمين وخيرة رجالهم وقوادهم، أجهز عليهم جميعا، بدلا من أن يجهز على عمرو وحده..
وبطريقة غير منظورة أعطى أمره بارجاء الخطة التي كانت معدّة لاغتيال عمرو..
ودّع عمرو بحفاوة، وصافحه بحرارة،
وابتسم داهية العرب، وهو يغادر الحصن..
وفي الصباح عاد عمرو على رأس جيشه الى الحصن، ممتطيا صهوة فرسه، التي راحت تقهقه في صهيل شامت وساخر.
أجل فهي الأخرى كانت تعرف من دهاء صاحبها الشيء الكثير..!!
\
/
\
وفاته ...
وفي السنة الثالثة والأربعين من الهجرة أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر، حيث كان واليا عليها..
وراح يستعرض حياته في لحظات الرحيل فقال:
".. كنت أول أمري كافرا.. وكنت أشد الناس على رسول الله، فلو مت يومئذ لوجبت لي النار..
ثم بايعت رسول الله، فما كان في الناس أحد أحب اليّ منه، ولا أجلّ في عيني منه.. ولو سئلت أن أنعته ما استطعت، لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه اجلالا له.. فلو متّ يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة..
ثم بليت بعد ذلك بالسلطان، وبأشياء لاأدري أهي لي أم عليّ"..