مسيرة الإسلام في أوكرانيا (1)
لم تكن أوكرانيا استثناء من ظاهرة انبعاث الأقليات الإسلامية المنسية في الكتلة الاشتراكية السابقة، الممتدة من البلقان إلى أواسط آسيا.
وهناك مفهوم غريب اليوم يدعي أن الإسلام ظاهرة غريبة على المجتمع الأوكراني، وأن أوكرانيا لم تعرف الإسلام إلا منذ سنوات قصيرة، ويرجع هذا الفهم الخاطئ لبعض الأوضاع المأساوية التي عاشها التاريخ الإسلامي على مدى عدة قرون، خاصة فترة الحكم الشيوعي الذي نكل بالمسلمين وحضارتهم وأعمل فيهم قتلًا وتهجيرا ليخفي الهوية الإسلامية لأهل المنطقة ويصبغها بالثقافة الشيوعية والتي أنتجت بعد ذلك علاقات معقدة بين الشعب الأوكراني وجيرانه من المسلمين.
ونحن في موضوعنا اليوم نقتفي أثر مسيرة الإسلام في دولة أوكرانيا وما هو حال المسلمين هناك فتابعونا.
دولة "أوكرانيا" هي إحدى الجمهوريات في الاتحاد السوفيتي السابق وهي تابعة لبلدان أوروبا الشرقية حاليًا.و أوكرانيا هو اسم تاريخي أطلق على هذه المنطقة منذ القرن الثاني عشر الميلادي، وبعد ثورة أكتوبر سنة 1917م سميت أوكرانيا السوفييتية الاشتراكية وكانت تحتل المرتبة الثانية في الاتحاد السوفييتي بعد روسيا الاتحادية.
نالت استقلالها في الرابع والعشرين من أغسطس عام 1991م، ثم دخلت مع مجموعة من جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقًا فيما يسمى برابطة الدول المستقلة.
وتنقسم أوكرانيا سياسيًا إلى كتلتين:الكتلة الشرقية وعاصمتها "خاركوف" وهي "العاصمة السابقة لأوكرانيا" وتعتبر نفسها جزءًا من روسيا ومتعصبة للغتها الروسية, وتحتفظ هذه الكتلة بغالبية دخل البلاد والذي يبلغ حوالي 70% من الدخل القومي.
والكتلة الغربية وعاصمتها "لفوف" وهو الجزء المتأثر بالغرب، والتابع لأوروبا ثقافيًا، وهو لا يعترف باللغة الروسية وقد احيوا اللغة "الأوكرانية" لتحل محلها.
الموقع:
وأوكرانيا هي بلد في أوروبا الشرقية تقع في الجزء الجنوبي الغربي من أوروبا،يحدها من الجنوب البحر الأسود، من الشمال روسيا وروسيا البيضاء ومن الغرب بولندا والتشيك والمجر وسلوفاكيا، من الشرق روسيا ومن الجنوب الغربي مولدافيا ورومانيا. تمثل المركز الأول من بين الدول الأوروبية من ناحية المساحة وكانت إحدى الجمهوريات في الاتحاد السوفيتي السابق وتنقسم أوكرانيا إلى 26 ولاية.
• العاصمة:كييف.
• المساحة:تبلغ مساحتها 603700 كم2.
• عدد السكان: يبلغ إجمالي عدد السكان 51.704.000نسمة.
• اللغة: اللغة الأوكرانية هي لغة دولة أوكرانيا، وهي إحدى اللغات السلافية الشرقية. سكان أوكرانيا يتكلمون اللغة الروسية والأوكرانية كلغات أصلية.
• المجموعات العرقية: تتألف الدولة من مجموعة من الأعراق يشكل الأوكرانيون منها 77،8% من نسبة السكان, فيما يبلغ الروس 17،3% والبيلاروس 0،6% والمولدافيون 0،5% وتتار القرم 0،5% والبلغار 0،4% والهنغاريون 0،3% والرومانيون 0،3% والبولنديون 03% واليهود 0،2% واثنيات أخرى 1،8%.ويتحدث بالأوكرانية 40% من السكان وبالروسية 21% وهم ذوو الأصول الروسية,إضافة إلى 33% من الأوكرانيين الذين يتحدثون الروسية نتيجة التأثر الثقافي المتتابع عبر عقود متتابعة من التاريخ القيصري والسوفيتي.
• الديانة: الديانة الأوسع انتشارًا في أوكرانيا هي المسيحية، تمثل الأرثوذكسية الشرقية أكبر مجموعاتها حيث يتبع أكثر من 35 مليون أوكراني، وهناك أيضا كنائس كاثوليكية وبروتستانتية بالإضافة لوجود المسلمين ومجموعات يهودية ونسبة أخرى من اللادينيين ومن أتباع الأديان أخرى.
• عدد المسلمين:يتجاوز عدد السكان المسلمين ال2مليون نسمة. وهم من جنسيات مختلفة تضم تتار القرم وهم من أصول تركية، وتتار كازان وهم من مناطق القوقاز استوطنوا أوكرانيا من مئات السنين، كما أن هناك أعدادًا من الأذربيجان والشيشان والأوزبك، إضافة إلى الجالية العربية والإسلامية.
• عدد المساجد والمؤسسات الإسلامية: هناك 8 منظمات وجمعيات إسلامية, وعدد لا بأس به من المساجد في مدن مختلفة مثل كييف وخاركوف واوديسا وسيمفروبل وسومي, ومنها على سبيل المثال مسجد الجامعة الطبية, مسجد السلام, مسجد أكاديمية الطيران, مسجد المركز الإسلامي في كييف, مسجد الرحمة.
نبذة تاريخية:
كانت أوكرانيا خلال القرنين الـ10 و11 من أهم الدول السلافية الأولى وأكبر وأقوى دولة في أوروبا كلها. مثل العرب الذين أدخلوا علم الجبر في أوروبا الغربية،و كانت أميرة أوكرانيا أنا ياروسلافنا مثقفة للغاية بينما زوجها الفرنسي، هنري الثاني لم يستطع حتى كتابة اسمه.ولقد تأسست دولة السلاف الشرقية، وكان اسمها كيفان روس، وتولدت عنها دول أوكرانيا، روسيا البيضاء، روسيا، وكانت تسمى في القرنين الثالث عشر والرابع عشر بروسيا الصغرى، استولت بولندا على بعض أجزائها سنة 1654م. وضمت الأجزاء الأخرى لروسيا ، ثم قسمت بين روسيا والنمسا عند تقسيم بولندا سنة 1793م.
عندما وقعت كل من أوكرانيا وجزيرة القرم تحت سيطرة الإمبراطورية الروسية، وتنازلت تركيا عن القرم لروسيا حسب الاتفاق الذي وقع بينهما في يونيو 1774م بدأ مشوار المآسي مع المسلمين الذين أصبحت أمامهم خيارات الهجرة والإبعاد أو ترك دينهم واعتناق النصرانية.
ونتيجة لهذا الاضطهاد والظلم المنظم من قبل روسيا على النظام التعليمي الإسلامي في شبه جزيرة القرم انخفض عدد المؤسسات التعليمية من 1550 إلى 275 مؤسسة تعليمية، ومما يزيد الأمر سوءًا تأسيس رابطة في عام 1901م تحمل اسم " رابطة ضد المسلمين " والتي من أهم أهدافها محاربة الإسلام والمسلمين، مما أدى بدوره إلى موجة جديدة من الهجرة.
ومن الواضح أن السلطات ركزت وبشدة اضطهادها أولًا على إبعاد المسلمين خاصةً عن دينهم وموطنهم ومن ثم قامت بطمس معالم الحضارة الإسلامية، وإزالة كل شيء له علاقة بالإسلام من أرض القرم.ففي عام 1833م قامت السلطات بالاستيلاء على المكتبات وهدمها وحرق الكتب الإسلامية وإبادتها،أما المساجد فأكثر من 900 مسجد تم هدمها واستخدامها في مجالات أخرى وحتى الآن في كثير من قرى القرم توجد معالم لتلك المساجد لمن أراد الدليل والشهادة.
وبسبب هذه السياسات القمعية والإرهابية اضطر أيضا كثير من المسلمين إلى الهجرة من موطنهم القرم، فهاجر العديد منهم إلى تركيا تقريبًا أربعة ملايين مسلم من سنة 1783 – 1917م هربًا من سياسات القمع الروسية، أما الذين لم يتمكنوا من الهجرة فتم ترحيلهم إلى مدن روسيا المختلفة لتذويبهم في المجتمع الروسي، لكن من تم إبعاده وطرده من القرم كان يفقد حق العودة إلى موطنه مرة أخرى.
في العام 1917م جاءت ثورة أكتوبر الاشتراكية بأيدلوجيتها القائمة على محاربة الأديان وبالأخص الإسلام والمسلمين، فقد شهدت العشرينات والثلاثينيات من القرن الماضي حرب شعواء واسعة النطاق ضد الدين والمتدينين على حدود الاتحاد السوفييتي وكانت مطرقة النظام موجهة وبقوة ضد مسلمي أوكرانيا والقرم على وجه الخصوص.
ولقد شهدت العشرينات والثلاثينيات من القرن الماضي حرب شعواء واسعة النطاق ضد الدين والمتدينين على حدود الاتحاد السوفييتي وكانت مطرقة النظام موجهة وبقوة ذد مسلمي أوكرانيا والقرم على وجه الخصوص الأمر الذي أثر تأثيرًا مباشرًا على المسلمين وعلى حياتهم الدينية، فقد قام النظام وبصورة واسعة وبقسوة متناهية بإغلاق المساجد والمدارس الإسلامية والمكتبات الدينية والقبض على الزعماء الإسلاميين وتعذيبهم في السجون وكانت الدعاية البلشفية تربط وبصورة مباشرة بين التوجه الإسلامي وعدم الوعي الاشتراكي والخرافة البرجوازية.
تحت ضغط الواقعية الاشتراكية ومحاربتها للإسلام بعد المسلمون شيئا عن دينهم ودين أجدادهم، أما ذوي العزيمة والإيمان الصادق الذين ثبتوا على دينهم فلقد بقوا وبصورة دائمة في خوف واضطهاد.
وبعد حقبة من الاستعمار الروسي استمرت عقود طويلة خلال القرن التاسع عشر حظيت البلاد بفترة قصيرة من الاستقلال 1917م– 1920م ثم أعلنت كجمهورية سوفيتية اشتراكية في أواخر سنة 1920م لتعود إلى الحظيرة الروسية تحت ظلال الاتحاد السوفيتي, ثم وقع فيها انفجار شرنوبيل النووي عام 1986م. وبعد انهيار الدولة الشيوعية نالت أوكرانيا استقلالها, وأعلنته في 24 أغسطس 1991م وانتخب ليونيد كراتشوك رئيسًا للجمهورية المستقلة عام 1991م.