الفشل المتقن بقلم نوارة نجم

أود أن أعبر عن صدمتي، وتحطم كل آمالي علي صخرة واقع مسلسل الجماعة، أو مسمسم المجاعة. لقد كان أملي، كل أملي، أن نكتشف حقيقة كل ما حدث لنا من أهوال، وبيع للبني التحتية، وهدم للأساسات الوطنية، وسرقات، وحرائق، وسوابق، وحزن ساكن فينا ليل نهار وأنه يعود لمؤامرة ضد مصر، أو لدسيسة، أو خيانة في صفوف، أي صفوف، المهم أن يتم تفسير هذا الخراب الهذياني الذي حل بنا. لكن كل هذه الخيالات انهارت بعد متابعتي مسلسل الجماعة، والذي تم تأليفه بتوكيل وتمويل من الدولة، والإشراف عليه من قبل أمن الدولة «الناس تحكي وتتحاكي في الوسط الفني عن الضباط الذين يحضرون المونتاج»، بهدف «فضح جماعة الإخوان المسلمين» و«كشفها للجميع» و«إظهار حسن البنا وتاريخه المخزي علي حقيقته». بالمختصر كده، الهدف كان الهجوم علي جماعة الإخوان المسلمين، وهدم أي صورة إيجابية قد تكون علقت بذهن أحد المواطنين عنها. لماذا؟ لأن الدولة تكره الإخوان المسلمين.

ماذا لو كان صناع المسلسل يرغبون في تجنيد الشعب بأكمله للإخوان المسلمين؟ لا والإخوان بيشتغلونا وعاملين نفسهم زعلانين.. لقد انبهر الناس بشخص حسن البنا، وانتشرت «مذكرات الدعوة والداعية» بين أيدي الناس وعلي كمبيوتراتهم. ولم تسفر مقالات الأستاذ وحيد حامد التي أنطق بها الممثل عزت العلايلي سوي عن الكركعة، حيث إن الجزءين المعاصر والتاريخي في المسلسل يتكاملان ليشكلا نموذجًا لـ«التضاد الساخر بين الحوار والصورة» الذي يستخدم عادة في الأفلام الكوميدية. يضع الكاتب هجومه علي جماعة الإخوان المسلمين علي لسان القاضي الذي يقوم بدوره عزت العلايلي، ثم يعود بالتاريخ ليدلل علي صحة هذا التقييم فإذا بالجزء التاريخي الذي يجسد حياة حسن البنا يناقض تمامًا ما قيل عن الجماعة من عشرين ثانية بس.

«بيتاجروا بآلام الناس».. وألاقي لك حسن البنا قاعد ليل نهار مع الفقراء والفلاحين والمعوزين. «حسن البنا زي حسن الصباح زعيم الحشاشين».. ثم ينتقل إلي حسن البنا وهو يلقي موعظة تنضح بالعلم والبشاشة، وما زاد الطين بلة، أن يقوم إياد نصار بدور حسن البنا! الممثلون من نوعية إياد نصار، وخالد الصاوي من العرب، وجاك نيكلسون وآباتشينو من العالميين، يحبون الشخصية التي يؤدونها ويغوصون في تقمصها، فتتلبسهم مثل الجن، ويتمكنون من إقناع المشاهد بها ولو كان يجسد أحدهم الشيطان. معروف هذا النوع من الممثلين ومشخص، وغالبًا بيبقي مخهم مفوت شوية.

هكذا يتصدي النظام لعدوه الأمضي، مع الإخوان في بيتها، المصيبة أن النظام المصري «يعادي» إسرائيل بنفس الطريقة، وأنا الآن أصدقه حين يقول إنه يعاديها، والدليل أنهم يعطونها غازنا، أيوه، كي يأخذوا من حسنات إسرائيل ويعطوها سيئاتهم فتفاجأ إسرائيل بأنها دخلت النار يوم القيامة. وطلعوا بيحبونا، أمال خراب البيوت ده كله منين؟ ليتهم يكرهون مصر كلها كما يكرهون الإخوان