إذا تنفست الديمقراطية وعشت بالديمقراطية، فقد نعمت بالأمن، وإذا نعمت بالأمن فزت براحة البال، وإذا فزت براحة البال، فكرت جيداً واتخذت قرارات صحيحة، وإذا فكرت جيداً واتخذت قرارات صحيحة، فستنفع نفسك والآخرين، وإذا نفعت نفسك والآخرين بنيت مجتمعاً يفضل مصلحة الجماعة على أنانية الفرد، وإذا بنيت مجتمعاً يحرص على مصلحة الجماعة قبل الفرد وضعت نواة قوية لأمة تحترم نفسها وتفرض على الغير احترامها، وتسعى إلى أن يكون لها مكانها ومكانتها تحت شمس الحضارة الإنسانية، وأمة تحترم نفسها ويحترمها العالم، وهى أمة تنتج احتياجاتها وتحسن الانتفاع بمواردها،
وتختار أفضل من يمثلها، هى أمة تملك قوتها وقراراتها وأجندتها السياسية والاقتصادية هى أمة تحكمها سيادة القانون وعبقرية الفكر الخلاق والشفافية غير المصطنعة. إذن من الديمقراطية تبدأ درجات السلم فى البناء الطبيعى للأمم المتقدمة، وبغض الطرف عنها أو تجاهلها يختلط الحابل بالنابل وتختل الموازين وتتضارب المصالح وتتناقض المفاهيم وتهدر الثوابت ويسقط الناس فى حيص بيص: أين الحق؟ وأين الباطل؟
سؤال شغل المصريين جميعاً بعد هجران الديمقراطية وغيابها، وتحول الاستثناء إلى قاعدة تسمح بتشريع التزوير وبهيمنة الأمن على إرادة الناخبين والمرشحين وصناديق الاقتراع، وبوصول نواب عن الشعب لتمثيل الشعب دون أن يختارهم الشعب، أين الحق؟
وأين الباطل؟ سؤال قد يوقظ الضمائر ويعيد المصريين لملعب الحياة فى الوقت الضائع، أتوجه به أولاً لأحد أهم صانعى السياسة فى مصر وداخل الحزب الوطنى الأستاذ صفوت الشريف، تعليقاً على ما أكده بعد انتخابات الشورى أن النجاح الساحق للحزب الوطنى فى هذه الانتخابات، وضع على عاتق الحزب مسؤوليات جديدة، تستوجب استمرار هذا النجاح فى انتخابات الشعب القادمة، عجيبة يا سيد صفوت، أى مسؤوليات وأى نجاح تقصد؟ وأين إنجازات الحزب حتى تكون له جماهير تنتخبه؟
ولماذا لم تظهر هذه النجاحات الخارقة عندما كان الإشراف القضائى موجوداً؟ وهل يثق المواطن المصرى فى العملية الانتخابية كى يذهب وينتخب؟ وما وجه الحاجة للانتخابات طالما أن الحزب الوطنى هو الذى يختار ويعين ويصفق لمن فاز بالتعيين؟ عجيبة يا سيد صفوت، ألست تعيش فى مصر؟ ألا ترى بعينك وتسمع بأذنك ما يقوله الناس وتنشره وسائل الإعلام وتقارير جمعيات حقوق الإنسان عن التجاوزات والمخالفات والبلطجة التى لصقت بالعملية الانتخابية ومست سمعة وكرامة مصر؟ أين الحق؟
وأين الباطل؟ سؤال أتوجه به للسيد أحمد عز، الواضع الأول والأخير لأجندة الحزب الوطنى وسياساته وتوجهاته، وواحد من أهم المتحمسين للقوانين المثيرة للجدل، ومنها قانون مشاركة القطاع الخاص فى تنفيذ البنية الأساسية فى مصر، الذى أعتبره «عز» ضرورياً فى الفترة الراهنة والمستقبلة، وأيدته الرأى جوقة من نواب الأغلبية تغنى بلا انقطاع ترويجاً للقانون، وتطبل له باعتباره من الخطوات المهمة والجوهرية نحو التقدم والتنمية والغريب، ما إن أحس «عز» برفض نواب المعارضة القانون الجديد، حتى حاور وناور ثم هداه فكره لمعايرة هؤلاء المعارضين بأن نظرتهم قاصرة، ولا يريدون للبرلمان المصرى أن يكون مثل غيره من برلمانات العالم، أو تتقدم مصر كغيرها من بلدان العالم، عجيبة أخرى من جانب السيد عز، وهل يحظى البرلمان المصرى بالشرعية الشعبية التى تحظى بها برلمانات العالم؟
هل يملك نفس الدور الرقابى والتشريعى؟ هل استطاع أن يسحب الثقة من الحكومة الحالية على أخطائها الفادحة الفاضحة؟ هل يستطيع البرلمان المصرى محاسبة الشركات الخاصة والحكومية لصالح المال العام مثلما يحدث فى برلمانات العالم؟ فى الدول المتقدمة لا حول ولا قوة إلا بالقانون وفى بلدنا المقهور، لا حول ولا قوة إلا بالنفوذ والمصالح والبيزنس، فى الدول المتقدمة لا تزاوج بين المال والسلطة، أما عندنا فإهدار غير مسبوق للمال العام بسبب الزواج غير المبرر بين المال والسلطة، ودخول الوزراء للحكومة كأصحاب شركات ومؤسسات وليسوا كمخططين يعملون على رفع المستوى المعيشى للمواطن،
فى البلدان المتقدمة يتأكد الناس أن أموالهم توظف فى صالحهم، وتمر بالقنوات الشرعية حتى تنفق فيما يجب أن تنفق فيه، وأن القوانين التى تصدر يقطف ثمارها الشعب، الشعب فقط، فيا ترى بعد تطبيق قانون مشاركة القطاع الخاص فى البنية الأساسية هل ستكون هناك معايير صحيحة مدروسة واضحة شفافة تسمح لكل القطاع الخاص بالمنافسة فى عملية المشاركة هذه؟ أم أن هذه المعايير سيتم تفصيلها على مقاس أهل الحظوة والجاه من أولاد الانفتاح؟ هل الأموال التى سيتم ضخها هى فعلاً أموال القطاع الخاص؟ أم أنها ستكون كسابقاتها، من قروض البنوك وأموال المعونات والمنح الخارجية وأموال دافعى الضرائب؟
عملاً بالمثل: «لبس طاقية ده لده» هل يراد من مشروع القانون الجديد النهضة فعلاً بالتنمية فى البلاد؟ أم أن المسألة مجرد تكرار لسيناريو هدم الشركات العملاقة التى تقوم بهذا الدور، للقضاء عليها وبيعها برخص التراب لمستثمر مجهول الهوية ليقوم بتسريح عمالها وبيع ماكيناتها ومبانيها وأراضيها الفضاء كل على حدة، وبذا تخسر مصر منشأة عظيمة ويربح المستثمر وأعوانه، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت؟
أين الحق؟ أين الباطل؟ سؤال أوجهه للنواب الذين رحلوا عن القبة وتركوا تحت سقفها الكثير من القضايا والمشاكل وفضائح الفساد بلا حل بلا محاسبة كرشوة شركة مرسيدس وكارثة جزيرة آمون ومقتل الشاب خالد سعيد على يد الشرطة وا وا.. أين الحق؟ وأين الباطل؟
حيرة يقع فيها المصابون بآفة الحكم الشمولى من المغلوبين على أمرهم، والمجبرين على الصمت رغم ما يتعرضون له من مهالك يشيب لها الولدان، واليائسين من إحداث أى إصلاح أو تغيير، وكل هذا طبيعى فبلد بلا ديمقراطية بلا انتخابات نزيهة بلا تخطيط بلا رؤية هو سفينة تاهت فى البحر، بعد أن تقاذفتها الأمواج، وهى الآن عرضة- إذا بقيت على حالها- لأن يختطفها القراصنة بلا مقاومة فهل نترك مصرنا الغالية نهباً لمن لا يعرفون قيمتها؟